تقديم
: محمد بدرون شهير
محاضر
جامعة دار السلام كونتور فونوروكو
المقدمة
يقول ابن خلدون فى مقدمته أن اللغة هى عبارة
المتكلم عن مقصوده. وتلك العبارة فعل لسانى فلا بد أن تصير ملكة متقررة فى العضو
الفاعل لها وهو اللسان. وهو فى كل أمة بحسب اصطلاحاتهم.[1]
وهى بذلك أصبحت اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هى ملكات فى اللسان للعبارة
عن المعانى و جودتها و قصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها، وليس ذلك بالنظر إلى
المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب.
و اللغة فى المعجم أصوات يعبِّر بها كل قوم عن
أغراضهم، يقال سمعت لغاتهم أى اختلاف كلامهم.[2]
و اللغة أداة للاتصال بين الفرد من ناحية وأفراد جماعته من ناحية أخرى و ذلك ليقضى
حاجاته اليومية، و يعرف ما لديهم من أفكار ومعلومات.
واللغة
–تبعا للوظائف التى تؤديها- يمكن تحديدها فى أنها نظام عرفى مكون من رموز وعلامات
يستغلها الناس فى الاتصال ببعضهم البعض، وفى التعبيرعن أفكارهم أو هى الأصوات التى
يحدثها جهازالنطق الإنسانى، وتدركها الأذن فتؤدى إلى دلالات اصطلاحية معينة فى
المجتمع المعين، و اللغة بهذا الاعتبار لها جانب اجتماعى و آخرنفسى.[3]
و اللغة العربية هى فرع من اللغات السامية
اتسمت بسمات اللغات العالمية، فهى ديمقراطية – واسعة الانتشار – متطورة و نامية. و
هى أطول اللغات الحية عمرا وأقدمهن عهدا، و هى أيضا بالنسبة لأخواتها كالكنعانية و
العبرية والآرامية والكلدانية والسريانية و الحبشية تعتبر أرقاهن و أكملهن و
أقرتهن إلى اللغة الأم.
خصائص اللغة العربية
وهذه اللغة الشريفة،
كما يراها العلامة أنور الجندى، تتمتع بالخصائص المتميزة قلما توجد فى غيرها من
اللغات. و من أبرز تلك الخصائص هى[4]
:
1- إنها
لغة الفكر والثقافة والعقيدة، و هى لا تتراجع عن أرض دخلتها لتأثيرها الناشئ عن
كونها لغة الدين و لغة العلم والفكر من حيث هى لغة القرآن الكريم الذى ألقى إلى
الفكر الإنسانى كله أضخم شحنة من القيم و المبادئ.
2- إن
ناطقيها اليوم و بعد ألف و سبعمائة سنة، يفهمون أشعار الجاهلية والمخضرمين و فحول
المتقدمين، كما يفهمون أشعار ابى تمام والبحترى و المتنبى. قال ريجيس بلاشير ((Regis Blachere
عالم لغوى فرنسى :
"إن وحدة اللغة العربية هى وحدة أخلاقية ودينية قبل كل شيئ"
3- إنها
تتميز بتنوع الأساليب والعبارات، فالمعنى الواحد يمكن أن يؤدى بتعبيرات مختلفة، كا
الحقيقة والمجاز والتصريح و الكناية .
4- إنها
لغة اشتقاق تقوم على أبواب الفعل الثلاثى . و من المعروف أن الاشتقاق يسهل إيجاد
صيغ جديدة من الجذور القديمة بحسب ما يحتاج إليه كل إنسان على نظام معين، الأمر
الذى يؤدى إلى وجود ثورة هائلةمن المفرداتحيث يمكن لها أن تزداد بلا نهاية.
5- هناك
صلة لغوية متينة ما بين كلمات الأسرة
الواحدة. ففى كلمة "كتب" التى اشتققنامنها كلمات : كاتب و كتاب و مكتبة
ومكتوب و مكتب نجد أن الحروف الأصلية موجودة فى كل كلمة من هذه الكلمات، كما أن
معنى الكناية موجودةكذلك
اللغة العربية : لغة الدين الإسلامى
ولا شك أن هناك تلازما بين اللغة العربية
والدين الإسلامى حيث أن الإسلام هو العامل الوحيد تدين له اللغة العربية، و إليه
يرجع الفضل فى انتشارها. و كذلك لو لا الإسلام لما كان للغة العربية شأن يذكر، إذ
أنها فى ظله أصبحت عاملا أساسيا لفهمه نظرا لارتباطها الوثيق بالقرآن الكريم. يقول
الله تعالى : üNm ÇÊÈ É=»tGÅ3ø9$#ur ÈûüÎ7ßJø9$# ÇËÈ $¯RÎ) çm»oYù=yèy_ $ºRºuäöè% $|Î/ttã öNà6¯=yè©9 cqè=É)÷ès? ÇÌÈ[5]
وقال أيضا : !9# 4 y7ù=Ï? àM»t#uä É=»tGÅ3ø9$# ÈûüÎ7ßJø9$# ÇÊÈ !$¯RÎ) çm»oYø9tRr& $ºRºuäöè% $wÎ/ttã öNä3¯=yè©9 cqè=É)÷ès? ÇËÈ[6]
قال
الإمام ابن كثير مفسرا لكون القرآن منزلا عربيا : و ذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات
وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعانى التى تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب
بأشرف اللغات، على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، و كان ذلك فى أشرف بقاع
الأرض.[7]
ومن ثم إن اللغة العربية لا تنفصل عن
الدين الإسلامى كما أنه لا ينفصل عنها، و هما من تفاعلهما ظلت كشجرة خصراء ممتدة
الأغصان وارفة الظلال طيبة الأكل. فهى لا تدين للإسلام بانتشارها فحسب و لكنها
تدين له كذلك بكل عواملها الأصلية التى نشأت أساسا لخدمة كتاب الإسلام.[8]
وهكذا، فإنه مع نزول القرآن بهذه اللغة العربية ارتفع شأنها وأصبحت اللغة سائدة فى
بلاد العرب والمسلمين، بل و فى العالم الأجمع، كما أن لها فضلا كبيرا على نشر
حضارة الفكر الإسلامى وتقدم العلوم و الفنون والآداب المختلفة.
اللغة
العربية : لغة العلوم و الحضارة
ومن المعلوم أن القرآن الكريم والسنة
النبوية هما أصل من أصول الحضارة الإسلامية التى تقوم أيضا على أصل الحضارة
العربية والفارسية واليوناية والرمانية. وذلك لأن الكتاب و السنة يحتويان على جميع
نواحى الحياة البشرية، كالناحية الدينية والناحية الاجتماعية والأخلاقية و الناحية
الاقبصادية والناحية الأدبية والعلمية وكذلك الناحية السياسية.
قال الدكتور أبو زيد شلبى بأن الباحثين قد
اتفقوا على أن الحضارة الإسلامية كان لها أثرها فى الحضارة الأوروبية؛ ففى الوقت
الذى كانت فيه أوربا لا تزال تضطرب فى ظلام العصور الوسطى كان المسلمون قد بسطوا
نفوذهم على معظم بقاع العالم المتحضر القديم.[9] ثم
ورث المسلمون مع فتوحاتهم فلسفة اليونان، و أفادوا من ثقافة الفرس والهند والصين و
الثقافة العربية الأصيلة، وأفسحوا صدورهم لهذه الثقافات والحضارات المختلفة
وأقبلوا عليها و تولوها بالرعاية والعناية والبحث والدرس، والتصحيح والتهذيب،
وأضافوا إليها الكثير من أفكارهم وابتكاراتهم، حتى بلغت غاية نضجها واكتمالها، و
تميزت عما عداها من الحضارات السابقة.
و للحضارة الإسلامية أثر كبير فى الحضارة
الأوروبية، وهو أنه فى خلال الفترة الذهبية فى تاريخ الإسلام أنشئت المدارس فى
مختلف البلاد الإسلامية شرقا و غربا، وكثرت المكتبات وامتلأت بالمؤلفات فى مختلف
العلوم. اجتذبت هذه المدارس و تلك المكتبات عن المعرفة من العالم المسيحى
والإسلامة على السواء، و كان ممن درسوا فى مدرسة طليلة وأفاد منهم العلم : ميشل
سموت، و دنيال مورلى، و أديلار ديات، و روبرتوس انجليكوس، وهو أول من قام بترجمة
القرآن. [10]
فى مجال الطب مثلا، نجد أن كتاب
"الحاوى" للرازى الذى يجمع كل المعلومات الطبية ظل مرجعا وحيدا معترفا
به فى جامعات أوربا حتى القرن السابع عشر.وفى الكمياء يعتبر جابر بن حيان مؤسس هذا
العلم، فهوالذى نظم كثيرا من طرق البحث والتحليل، و ركب عددا من المواد الكمياوية،
و كانت أبحاثه وما توصل إليه من معلومات هى المراجع الأولى فى أوربا حتى القرن
الثامن عشر الميلادى.
وفى علم طبقات الأرض يعتبرما كتبه ابن
سينا فى كيفية تكوين الجبال والأحجار و المواد المعدنية و ما إلى ذلك، من أهم
المراجع التى اعتمدت عليها أوربا فى إبان نهضتها العلمية. وكذلك فى غيرها من
العلوم كالرياضية وعلم الاجتماع وفى اللغة و الآداب والفنون.
الخاتمة
و أخيرا نقول كما قال الدكتور أيو زيد
شلبى : إن الكنوزالأدبية العظيمة التى لأوجدها العرب فى ذلك العصر، و نتائج نبوغهم
العلمى ، و اختراعاتهم الثمينة تنهض دليلا على نشاطهم الفكرى، و تؤيد الرأى القائل
بأن العرب هم أساتذتنا فى كل شئ، إذ أنهم زودونا بمواد جليلة قيمة فى تاريخ العصور
الوسطى، بأسفار مجيدة فى التراجم وتركو لنا صناعة لا مثيل لها، واكتشافات هامة فى
الفنون و الصناعات.
وهذا كله من فضل اللغة العربية وما فيها
من الخصائص و المميزات. و الله أعلم، و ما توفيقى إلا بالله ....
No comments:
Post a Comment